رؤية المخرج عبد الله حمد المخيال
على سبيل المثال نجد كثيراً في الدراما الاجتماعية أن الطالب المشاغب ذو شخصية قوية ومؤثرة وهذا ما يدفع الكثير من المراهقين إلى تقليده أو التأثير به ، ونجد أن الطالب المجتهد في المسلسل ضعيف الشخصية مغلوب على أمره ومحل سخرية واستهزاء وهذا ما يدفع الكثير من الناشئين إلى الجنوح عن الاجتهاد والنجاح حتى لا يصبحوا كهذا الطالب المجتهد وكان الأجدر أن يخلقوا من دور الطالب المجتهد رمزاً في الاجتهاد والقوه والشخصية ، فيما أن الموضوع تمثيل في تمثيل لإيصال رسالة تربوية هادفة .
ما هو الفيلم التسجيلي وما هو تعريفه : الفيلم التسجيلي هو الذي يسجل الحقائق على أرض الواقع ويوثق الأحداث من خلال منظور حقيقي عن قضية أو شخصية أو مكان ، كما يقوم هذا الفيلم على مقومات البحث العلمي من خلال أهمية الموضوع وسبب اختياره مع النبذة التاريخية عن موضوع البحث فضلاً عن أهداف الفيلم أو البحث .
تخصصات الفيلم التسجيلي تمس كل مجالات الحياة وتغطي كل قضايا المجتمع السياسية والاقتصادية والاجتماعية مع الدين والبيئة والثقافة ، يعتبر الفيلم التسجيلي الوجه الحقيقي للإعلام والهدف الأسمى للإنتاج ، كما يعتد بالكثير من الأفلام التسجيلية كمراجع علمية أكاديمية حيث تعرض الكثير منها بشكل دوري على الطلبة بالجامعات الغربية في تخصصات الاجتماع و الأنثروبوجي و الأحياء فضلاً عن الكثير من التخصصات الأخرى
ان الإعلام بمعناه العام كتعريف يعني إعلام الفرد وأن يُعلم عنه فهو تعريف من شقين الشق الأول يعني إعلام الفرد وفي الحقيقة أن الفرد العربي يعلم بعض الشيء ويحُجب عنه الكثير ومع ظهور بعض القنوات العربية الخاصة أصبحت الأخبار أكثر شفافية ، أما الشق الأخر من التعريف هو أن يعُلم عن الفرد ، فهذا الشق من التعريف يختص في الجانب التسجيلي فالإعلام العربي مقصر في طرح قضايا الأمة الاجتماعية والثقافية والدينية والبيئية فقد فشل الإعلام في هذا الجانب لتسجيل وتوثيق قضايا الفرد والمجتمع العربي .
لقد أفُرغ الإعلام عن محتواه وخرج عن خطه في التوعية والإرشاد والتعليم والتوثيق إلى الترفيه والغناء والرقص ، فهناك الكثير من القنوات العربية لا تحمل أي فكر أو أي مضمون هادف بل العكس تحمل أفكار غربية ويمثل إنتاجها معول هدم في أخلاق وقيم الأمة .
ولو نظرنا إلى الدراما العربية أو السينما الروائية فهي أخفقت في إيصال قضايا الأمة أو توثيق تاريخه بل هي تثير قضايا شائكة وحساسة وتُكتب بأسلوب غير تربوي مؤثر على تربية الشباب والناشئة .
لقد أغفلت أغلب القنوات العربية في إنتاجها عن الفيلم التسجيلي والغريب أن الكثير من الاستبيانات عن برامج التلفزيون من خلال تجربتي الشخصية في إنتاج هذه الأفلام أن المُشاهد أصبح يميل بشدة لمشاهدة الأفلام التسجيلية بمختلف تخصصاتها أكثر من متابعة المسلسلات الطويلة المملة أو المسرحيات الكوميدية المبتذلة أو الأفلام السينمائية التجارية .
لماذا ندرة إنتاج الأفلام العربية التسجيلية والعزوف عن إنتاجها فالحقيقة هناك عدة أسباب لهذا العزوف والندرة في الإنتاج
أولاً – السبب أن السوق العربي يعتبر سوق غير منظور بالنسبة للمنتج الغربي وغير موجه إليه ويعتبر تحصيل حاصل في النهاية والتلفزيونات الغربية تدفع مبالغ كبيرة في شراء واقتناء الأعمال التسجيلية المميزة هذا أمر والأمر الأخر أن هذه الأفلام تباع إلى القنوات العربية بعد عقود من سنوات إنتاجها فهذه أعمال على الرغم من جودتها تعتبر قديمة ومضى وقت طويل على إنتاجها كما تعتبر هذه الأفلام موجه للمشاهد الغربي ولا تعكس الواقع أو الرؤية العربية وأن الاعتماد عليها بشكل كامل يعني وئد الإنتاج العربي التسجيلي إلى الأبد .
ولعل الغريب أنني استطعت اختراق سوق التوزيع الغربي من خلال إنتاج بعض الأفلام التي تعكس واقع ثقافي عربي من وجهة نظر عربية خالصة فتم توزيع بعض أعمالي على كثير من القنوات الغربية العالمية المتخصصة مثل( الناشونال جغرفي) و(الراى ون ) وتم ترجمة الأفلام إلى عدة قنوات عالمية وحصلت على أربعين ضعف ما تعرضه عليه القنوات العربية من قبل قناة واحدة فقط .
والنجاح الحقيقي أن تخترق هذا السوق الذي يضع معايير دقيقة على مستوى وجودة الفيلم فالمكانة تؤخذ ولا تمنح ، فهذا السوق لا يضع أي اعتبار لا لسين أو لصاد من الناس إلا من خلال مستوى الصبغة الفنية للمنتج على الرغم أن القنوات الغربية الكثير منها لا تقتنع بمستوى الإنتاج العربي وحين يعزمون على إنتاج فيلم في الديار العربية يبعثوا بكادر إنتاج متكامل لإنتاج الفيلم دون اللجوء إلى التعاون مع مخرج تسجيلي عربي ، والأغرب أيضاً على الرغم من نجاحي في اختراق السوق الغربي في التوزيع والبث على قنوات رائدة ومتخصصة فشلت في اختراق الكثير من القنوات العربية لإقناعها بتغير لائحة التقييم أوفي اختراق مافيا الرشاوي والمحسوبية في شراء وتقييم الأفلام .
أما السبب الثاني في العزوف وندرة الأفلام التسجيلية فهو سبب بحثي فشكل هذه الأفلام تحتاج إلى الكثير من المراجع والأبحاث عن موضوع الإنتاج ، كما تتطلب تدقيق في المعلومات والنتائج لموضوع البحث حتى لا يبنى الفيلم على معلومة مغلوطة تخل بمستوى مصداقية الفيلم وطرحه .
أولاً – السبب المادي ويرجع إلى تقييم القنوات العربية لهذه الأفلام فهناك لائحة مسبقة لتقييم الفيلم التسجيلي قبل مشاهدته حيث ينظر للعمل بعدد ساعاته وليس بمحتواه أو صبغته الفنية وهذه المعادلة تجعل الفيلم التسجيلي خاسر في سوق التقييم العربي فلائحة التقييم تتعامل بالمتر وليس بالفكر .
ثانياً – استطاعت الدراما العربية أن تتعايش بذكاء مع هذه اللائحة فهناك مسلسل يتكون من ثلاثين حلقة وهناك الكثير من القنوات التي تعاني من جفاف في الإنتاج فأصبح الإنتاج يغلب عليه الصبغة التجارية من خلال مط وإطالة المشاهد وحشوا النص الدرامي الذي أصبح غثأً لا سميناً على الرغم أن النص لا يحتمل أكثر من سبع إلى عشر حلقات لكنه يصل في النهاية إلى ثلاثين حلقة من أجل إطالة الساعات لزيادة الربح المادي وليفقد المسلسل روح المتعة والإثارة في تسلسل الأحداث من أجل الصبغة التجارية فهذه اللائحة أدت إلى تدني مستوى الإنتاج على الرغم من الزيادة الربحية لمنتج المسلسل .
يجب أن تصبح هناك لائحة جديدة في تقييم الإنتاج ويجب أن تكون هذه اللائحة في مجملها لكل عمل خصوصيته في التقييم لتقييم المستوى الحقيقي ومستوى الجهد المبذول لطبيعة الفيلم كموضوع التصوير والموسيقى وطبيعة مشاهده والمونتاج ومؤثرات وتعليق من خلال هذا التقييم وهذه الخطوة تستطيع النهوض الحقيقي بالمستوى الإنتاج التسجيلي والدرامي والروائي .
وهناك قاعدة أخرى لتقييم للأفلام العربية التسجيلية عند مقارنتها بالمعروض من الأفلام الغربية التسجيلية التي تعرض بمبالغ زهيدة من خلال شركات توزيع عربية خاصة تقوم بدوبلاجها بشكل سريع وغير دقيق لتباع على القنوات العربية بأسعار زهيدة قد تبلغ من خمسمائة إلى سبعمائة وخمسون دولار وهنا يطرح تسائل إذا كان الإنتاج الغربي المميز يباع بهذه الأسعار فلماذا الإنتاج العربي التسجيلي لا يقبل بمستوى هذه الأسعار .
إما السبب الثالث للعزوف عن الإنتاج التسجيلي فيتمثل في صعوبة إنتاج هذه الأفلام وطريقة إخراجها فهي تتطلب تصوير مرحلي ومواقع خارجية ورحلات طويلة .
يعتمد مستوى نجاح الفيلم التسجيلي من خلال الرؤية الإخراجية للفيلم
1- اختيار عناصر الإنتاج من قدرات بشرية كمصور وفني إضاءة وإدارة إنتاج فضلاً عن الإمكانيات الفنية كالكاميرا وملحقات فنية أخرى تعطي المخرج مساحة أكبر في خيارات التقاط الصورة .
2- سعة في ميزانية الإنتاج حتى تصبح كل الإمكانيات متاحة أمام المخرج للإبداع والتميز دون الاعتماد على الأدوات التقليدية والبسيطة في الإنتاج .
3- ذكاء في اختيار مواضيع الإنتاج للبحث في مواضيع جديدة خارج المألوف والمنظور للمشاهد مع اختيار دقيق لمواقع التصوير.
4- كادرات مليئة بالصورة مع اختيار زوايا خاصة للتصوير مع تشديد على الأسس الأولية للإخراج كادر ثابت حركة مرنة في (البان والتلت) مع أحجام متفاوتة في الكادر لتركيب الصورة بأحجام أثناء المونتاج .
5- اعتماد الرؤية السينمائية في الفيلم من خلال إيقاع سريع في سرد الأحداث واختزال المشاهد والعمل بكاميرا واحدة مع الابتعاد عن المط والإطالة في السرد والمشاهد مع خلق المتعة والإثارة للاستحواذ على المُشاهد .
كما يتطلب كتابة النص المرئي للفيلم التسجيلي التالي
1- دقه في المعلومات والمراجع والابتعاد عن النظريات والاجتهادات .
2- التبسيط والتوصيل للمشاهد فهناك قدرات متفاوتة في الاستيعاب بين المشاهدين ويجب أن يكون النص موجه للجميع بلغة سلسة تخاطب الكم الأكبر من المشاهدين أثناء العرض .
3- صوره تغني عن ألف كلمة الابتعاد عن السرد غير المبرر في التعليق .
4- الابتعاد أحيان عن النص العلمي الجامد لقتل عنصر الملل عند المُشاهد .
5- الرؤية النسبية للأشياء مع إيصال رسائل تربوية وسياسية واجتماعية من خلال ربط منطقي في مشاهد وأحداث الفيلم .
تجربتي مع الأفلام التسجيلية أو مع الفيلم الوثائقي تتركز حول البيئة الصحراوية وتوثيق تراث البادية قبل أن تطويه معالم الحضارة والعولمه .
حيث أطمح لتكوين مكتبة مرئية عن الصحاري وسكانها البدو في بقاع متفرقة من العالم فلقد زرت الصحاري في الكويت والمملكة العربية السعودية والإمارات وعُمان والسودان وسوريا وتونس والمغرب ، كما زرت بلدان غير عربية يمثل سكانها نماذج من البدو غير العرب كالمغول .
لقد تخصصت في أكثر أنواع الأفلام التسجيلية صعوبة في الإنتاج فجميع أفلامي تصور في أماكن نائية في الصحراء خارج المألوف والمنظور للمشاهد وهذا ما يتطلب فريق فني وإداري متكامل متنقل في الصحراء عبر رحلات طويلة وشاقة تعتريها المغامرة والمخاطر .
كما يتطلب العمل صبر وانتظار في تصوير مادة هذه الأفلام التي تحوي في أغلبها مشاهد تراثية نادرة أو متابعة لكائنات فطرية في الصحراء وهذا ما يجعل الجهد مضاعفا ومتعبا في انتظار الأحداث لتصوير الكائنات الفطرية والكائنات التي لا تتلقى التوجيه أو الامتثال لأوامر المخرج .
فالعمل التسجيلي في هذا الخط من الأفلام الوثائقية بالذات يعتبر الطريق الصعب والطويل الذي عزف منه الآخرون فالمخرج هنا يفتقد التحكم بكثير من عناصر الإخراج والتوجيه لمادة التصوير على خلاف مخرج الدراما الذي يتحكم بأداء الممثلين والإضاءة واختيار مواقع التصوير .
كما أعتمد على معادلة إخراجية بسيطة تعني في مجملها متعة وإثارة بلا مط وإطالة ، قد تبدو هذه المعادلة بسيطة كقاعدة لكنها صعبة التنفيذ كنتيجة فهي تتطلب اختيار دقيق وانتقائي للمشاهد وترتيب أفكار السيناريو لجذب المُشاهد وشد انتباهه بالجديد والمثير ، فالتحدي الصعب أن تجعل هذه الأفلام مادة يتابعها الجمهور ويحرص على مشاهدتها في ظل زحمة القنوات وكثرة المعروض .